عرض الكاتب في هذا التحليل ملامح التحوّل الخطير الذي أحدثه قرار مجلس الأمن رقم 2803، والذي يدعم خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام في غزة، ويربط بين وقف دائم لإطلاق النار وترتيبات انتقالية لإدارة القطاع، مع خطوات تدريجية نحو انسحاب عسكري إسرائيلي وآليات لمعالجة نزع سلاح حماس، إلى جانب إشارة ذات بعد استراتيجي لحق الفلسطينيين في دولة مستقلة باعتبارها المآل النهائي للمسار السياسي.
وأوضحت مؤسسة كارنيجي أن القرار يتعامل مع خطة ترامب بوصفها خريطة طريق ملزمة تنقل غزة من حالة صراع وانهيار إنساني إلى مرحلة انتقالية تقودها قوة الاستقرار الدولية وهيئة السلام، وهي جهة إشراف متعددة الأطراف تتولى تنظيم الإعمار وتأمين الخدمات الأساسية وضمان تدفق المساعدات وإدارة المعابر وتنفيذ ترتيبات أمنية تحول دون عودة العنف.
المرحلة الانتقالية بين الحل والوصاية
حذّر التحليل من احتمال انزلاق المرحلة الانتقالية إلى وصاية طويلة الأمد إذا غابت الضمانات السياسية الواضحة. شدد على ضرورة تصميم آليات تضمن مشاركة فلسطينية فعلية في إدارة الشؤون اليومية، وتحديد جداول زمنية دقيقة لكل خطوة انتقالية، تشمل الانسحاب العسكري الإسرائيلي دون تقسيم القطاع، والتعامل مع أسلحة الفصائل، مع اشتراط توافق فلسطيني وإقليمي على أي تمديد بدلاً من قصر القرار على واشنطن أو تل أبيب.
برزت مصر هنا باعتبارها الفاعل الإقليمي الأكثر قدرة على ضبط المسار. تملك القاهرة الخبرة والعلاقات والنفوذ الذي يسمح بدعم عملية تمكّن الفلسطينيين من إدارة مستقبلهم بدل تهميشهم، وتدفع باتجاه تسوية دائمة لا إدارة مؤقتة. تنظر مصر إلى استقرار غزة واستعادة الحقوق السياسية والأمنية للفلسطينيين بوصفهما جزءًا من أمنها القومي وحاجزًا أمام تفتيت القضية الفلسطينية.
فرص سياسية وإطار لإعادة الإعمار
يفتح القرار نافذة مهمة أمام مصر والدول العربية للتأثير، أبرزها إنشاء إطار دولي واضح لإعادة الإعمار يضمن تدفق الموارد وفق أولويات محددة وتحت رقابة تقلّص الفساد وتمنع تسييس المساعدات وتوقف تحويل التجويع إلى أداة ضغط. يدعو التحليل القاهرة إلى الدفع نحو تمثيل عربي رسمي داخل هيئة السلام ومؤسسات الإشراف، بما يمنع احتكار قوى دولية بعينها للقرارات المصيرية المتعلقة بمستقبل غزة.
يربط القرار بين الانسحاب الإسرائيلي وخطوات أمنية قابلة للقياس، مثل تفكيك أسلحة الفصائل، ما ينقل العملية من مساومات تكتيكية إلى مسار خاضع للتقييم الدوري. يتيح ذلك ضغطًا إقليميًا ودوليًا لضمان التزام إسرائيل، ويخلق في الوقت نفسه آلية لمراقبة السلاح داخل القطاع دون تحويلها إلى ذريعة لإطالة السيطرة الخارجية.
التحديات الأمنية وبناء المؤسسات
يتناول التحليل تعقيد ملف نزع السلاح، مؤكدًا أنه عملية سياسية وأمنية طويلة تتطلب حوافز اقتصادية وضمانات مقبولة فلسطينيًا، تمنح معنى واقعيًا للانتقال من سلطة الفصائل إلى حكم مؤسسي مدني. يمكن أن تبدأ بخطوات احتواء توقف تصنيع وتهريب الأسلحة الثقيلة، ثم ترتيبات تخزين تحت إشراف دولي وعربي وفلسطيني، بالتوازي مع مسارات مصالحة تسمح بدمج العناصر المسلحة في مؤسسات أمنية وخدمية تابعة للسلطة الفلسطينية.
يحذّر كذلك من إشكالية تشكيل قوة الاستقرار الدولية، في ظل تردد دول عديدة في نشر قوات برية ضمن بيئة شديدة الحساسية، ما قد يفرغ القوة من مضمونها. تظهر الانقسامات الدولية في امتناع روسيا والصين عن التصويت، وهو ما قد يضعف الإجماع المطلوب لإنجاح المرحلة. يقترح التحليل دورًا مصريًا في تنسيق موقف إقليمي مع دول مثل الأردن وقطر والسعودية وتركيا والاتحاد الأوروبي لتهيئة بيئة داعمة لنشر قوات ذات مصداقية من دول ذات أغلبية مسلمة.
أبرزت الورقة البحثية خطر تحول البطء في بناء المؤسسات الفلسطينية إلى إدارة انتقالية دائمة بحكم الواقع، ما يهدد الشرعية السياسية الفلسطينية. دعت مصر والدول العربية إلى حماية هذه الشرعية وضمان أن عودة السلطة أو أي إطار وطني موحد تكون عودة سياسية حقيقية لا غطاءً شكليًا لإدارة دولية. يتحقق ذلك عبر دعم إصلاحات داخلية متوازية مع المسار السياسي وبناء الثقة مع الجمهور.
ينتهي التحليل إلى أن القرار 2803 يمثل مفترق طرق: إمّا مسار يقود إلى تسوية شاملة تعيد إعمار غزة وتؤسس لدولة فلسطينية مستقلة، أو طريق يكرّس إدارة انتقالية دائمة تنزع عن الفلسطينيين حق تقرير المصير. يظل دور مصر الحاسم مرجّحًا لكفة المسار الأول، القائم على العدالة والاستقرار والسيادة الحقيقية.
https://www.newarab.com/news/egypt-president-sisi-blames-tv-dramas-high-divorce-rates?amp

